زهرة الفردوس مشرف
عدد المساهمات : 1011 تاريخ التسجيل : 21/01/2010
| موضوع: الابناء صفحة بيضاء ماذا كتبت فيها الإثنين مارس 22, 2010 10:42 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأبناء صفحة بيضاء، فماذا كتبنا فيها؟ الشيخ عبدالله بن محمد البصري أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
أيها المسلمون: نعمة الإيمان أعظم النِّعم وأجلُّها، وحين يُرزَق العباد مع الإيمان أمنًا وطمأنينةً، ويكسَون ثيابَ عافيةٍ، ويوسع لهم في أرزاقهم، فقد استكملوا أركان النعم، وأخذوا بمجامعها؛ إذ بالإسلام تزكو القلوب، وبسَعة الأرزاق ترتاح النفوس، وبالعافية تنشط الأبدان في طاعة الرحمن؛ قال - سبحانه -: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وقال - جل وعلا -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزتْ له الدنيا)) وقد ربط الله الأمن والهداية بالإيمان؛ فقال - سبحانه -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وإنه لما كانت هذه البلاد قبل توحيدها تعيش حالةً من الجهل بالله وضعف الإيمان، فقد ابتُليتْ بذهاب الأمن وقلة الطمأنينة، وشحَّتْ فيها مواردُ الأرزاق، وضاقت سُبُلُها، وكان مَن يملك في الليل مالاً لا يأمن عليه في النهار، وربما أمسى أحدهم غنيًّا فأصبح فقيرًا، أو أصبح ناهبًا وأمسى منهوبًا، وكم ليلةٍ أمسى غالبًا وأخرى بات مغلوبًا! حتى جاء الله بمَن وفقه وبارك فيه من علماء هذه البلاد ورجالها المخلصين، فأعادوا للدِّين نضرته، وجدَّدوا معالم السُّنة بعد اندراسها، ونشروا العلم الشرعي ووجهوا الناس إلى طلبه، وسنُّوا من الأنظمة المبنية على الشريعة ما حفظوا به على الناس أرواحَهم ومقدراتهم.
وقد عاش الناس على هذه الحال عشرات السنين مطمئنين، يتفيؤون في ظلِّ الأمن والإيمان، ويقطفون ثمار العلم والهدى، رغدًا في العيش، وبركةً في الأرزاق، وراحةً للنفوس، وسعةً في الصدور، وعافيةً في الأبدان، وأمنًا على الأموال، ومحبةً بينهم وألفةً واجتماعًا، والأمر في كل ذلك في يد العلماء والولاة، والآباء قائمون بأمر الله فيمَن تحت أيديهم، والصغار يقدِّرون الكبار ويوقرونهم؛ إلا أنه ومع انتشار وسائل الإعلام، وتوفر أجهزة الاتصال، ومع انفتاح الناس على العالم الآخر بما فيه من أمراضٍ وأدواءٍ - حدثتْ في هذا المجتمع تغيراتٌ غير محمودةٍ، وحصلتْ في المفاهيم انقلاباتٌ غير مأمونةٍ، ونبتت نوابتُ كأنما ملَّتْ مما بين أيديها من النعم. أو كأنما زهدتْ فيما حباها الله من صنوف النعيم، فصار منهم انحرافٌ عن الصراط المستقيم، وبدا منهم زهدٌ في مقومات الحياة الإسلامية الكريمة، وفرَّطوا في أسباب العيشة الإيمانية الراضية، حتى رأينا من شبابنا اليوم فتيانًا غريبةً هيئاتُهم، مريبةً تصرفاتُهم، بعيدين عن الأسلاف في سماتهم وصفاتهم، تفكيرُهم سطحي غير عميقٍ، وغاياتهم دنيئة غير شريفةٍ، متهورون في قيادتهم، متعجِّلون في سيرهم، لا يقيمون لصلاةٍ وزنًا، ولا يرعون لكبيرٍ قدرًا، ولا يعرفون لقرينٍ حقًّا، شبابٌ يدور مع الشهوة حيث دارتْ، ولا يفكِّر في غير اللَّذة أينما كانت، كأنما هم غربانٌ حول حفرةٍ ذات جيفٍ، إن كتبوا ففي الشهوات، وإن تكلَّموا فحولها، وإن بحثوا فعنها، تقيمهم وتقعدهم، وتؤنسهم وتفزعهم، وتفرقهم وتجمعهم، فأين نشأ أولئك الفتية وأين تربوا؟ أليسوا قد ترعرعوا في بيوتنا؟! ألم يجلسوا في مجالسنا ويدرسوا في مدارسنا؟! فما السر إذًا فيما نراهم عليه من حالٍ لا ترضي اللهَ ولا تُفرح عبادَ الله؟!
إنه في قنوات التلقِّي ومصادره، وإذا كان الولد ينشأ في الماضي على ما عوَّده عليه أبوه، فإنه في الحاضر ينشأ على ما هيَّأه له أبوه، فإن هيأ له البيئة الصالحة المصلحة، وحفِظه في ذهابه وإيابه، وراقبه في خروجه ودخوله، وتفحَّص ما تقع عليه عينُه، وما تسمعه أذنُه، إن كان حريصًا على إسماعه القرآنَ، وكلامَ أهل الإيمان، ومصاحبته الأخيار وأهل التقى، لا يرضى له أن يرافق إلا ذوي العقول الناضجة، ولا يسمح له أن يماشي إلا أصحابَ الأهداف السامية، أقول: إن كان ذلك شأنه، فلن يرى منه إلا كل خيرٍ، ولن يعود على مجتمعه إلا بكل خيرٍ. وأما إن كان الأب قد هيأ له بيئةً عفنةً منتنةً، فيها الجرائد والمجلات، والقنوات والفضائيات، وأجهزة الألعاب الساقطات، التي تنقل كل شر، وتبث كل سوءٍ، وتعوده الجريمة وتبيِّن له طرقها، وغفل مع ذلك عن مراقبته، وضعُف عن متابعته، وأسلمه لرفاق السوء وجلساء الشر، ممن هم في كل وادٍ يهيمون، يفسدون ولا يصلحون، حينًا في البراري أو الاستراحات، وحينًا في المطاعم أو على جوانب الطرقات، أقول: إن كان هذا هو الجو الذي يعيش فيه الولد، فما أسوأَ حظَّه! وويلٌ لأبيه منه وأمِّه، وتعس مجتمعٌ يرجو منه خيرًا، أو ينتظر منه عزًّا.
وإنها لخيانةٌ أيما خيانةٍ، وتفريطٌ في الواجب وتضييعٌ للأمانة، أن يهب الله الرجلَ الولدَ نقيًّا طاهرًا، كأن قلبه صفحةٌ بيضاءُ، ثم يُلقِي بهذه الصفحة النقية في مزابل الحياة ولا يصونها، لا يغرس في قلب هذا الولد حبَّ الله ولا حب رسوله، ولا يحفظ فطرته ولا يرعاها، ولا يأمره بمعروفٍ ولا ينهاه عن منكرٍ، ولا يحثه على صلاةٍ ولا ينشئه على طاعةٍ، ولا يردعه عن كبيرةٍ ولا يحول بينه وبين معصيةٍ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري: ((ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة))، وفي رواية مسلمٍ: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة)).
ألا فلنتَّقِ الله - عباد الله - فإن تأثير الوالدين في تنشئة الأبناء كبيرٌ، فهم الذين يوجهونهم الوجهة الصالحة، ويرعون فيهم الفطرة السليمة، وهم الذين في المقابل يحولون بينهم وبين الهدى، ويسلكون بهم سُبل الضلال والرَّدى، في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما مِن مولودٍ إلا يُولَد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحِسون فيها من جدعاء؟))، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ]الروم: 30].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27، 28]. الخطبة الثانية أما بعد: فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وراقبوا أمره ونهيه ولا تعصوه.
أيها المسلمون: إن دينكم هو أغلى ما ملكتُم، وطاعة ربكم هي أعز ما كسبتم، وإن التفريط في الدِّين، والتفلُّتَ من الطاعات، والتهاونَ في الأخلاق الكريمة، ونبذَ الشمائل المحمودة، ورؤية الدِّين يضعف في نفوس الأبناء، ثم لا يتحرك في أبٍ ساكنٌ، ولا يدفعه للحفاظ عليه همٌّ - إنه لضربٌ من ضعف الإيمان، وشعبةٌ من النفاق، وإنه ما ذاق عبدٌ لذة الإيمان ووجد حلاوته، وما خالطتْ بشاشتُه قلبَه، ووجد برد اليقين في صدره، إلا وجدتَه حامدًا لله على نعمة الهداية والإيمان، شاكرًا لأنعم ربِّه، محافظًا عليها، متجنبًا الغرورَ والطغيان، حريصًا على إيصال الخير للآخرين، وخاصةً من تحت يده؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه، وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار))
فإلامَ السِّنة والغفلة، أيها الآباء والمربُّون؟! وإذا كنتم قد ذقتم حلاوةَ الإيمان فعلاً، وعشتموه واقعًا، فحتى متى التفريط في تربية الأبناء؟! حتى متى ترك الحبل لهم على الغارب؟! إلى متى وبعض الآباء لا يحسن من التربية إلا أن يغرس في نفوس أبنائه كُرهَ الآخرين، وحبَّ الاعتداء عليهم، أو ظلمهم، أو أخذ حقوقهم؛ لأنهم ليسوا من جنسه، أو قبيلته، أو عشيرته؟! كيف تسمح له نفسُه - وهو يدَّعي الإيمان - أن يغفل عن تعليمهم الخيرَ، وتذكيرهم بعظيم النعم، ثم يتركهم لقنوات الشر، وأجهزة الفساد، تضلهم وتدمر حياتهم؟!
إنه لم يَذق طعمَ الإيمان مَن رأى المفسدين يتخطَّفون أبناءه من حوله، ثم مضى وكأن الأمر لا يعنيه، لم يذق طعمَ الإيمان مَن نام وقنواتُ الشر في بيته تفسد أبناءه، لم يذق طعم الإيمان من نام وأبناؤه ساهرون على المعاصي والموبقات، وإنها لمصيبةٌ ألا يربِّي الأبُ ولدَه، ثم يسمح لغيره أن يفسد فطرته.
ومن هنا، من هذا المنبر العظيم، الذي وقف على مثله رسول الله، فإننا نناشدكم اللهَ أن تتَّقوه في أبنائكم، فتُخرِجوا أجهزة الباطل من بيوتكم، وتحفظوا أبناءكم من أصحاب السوء والفتنة، وتحُولوا بينهم وبين التجمعات التي لا ترضي اللهَ في الاستراحات وغيرها، وأن تدلُّوهم على أهل الخير ومؤسسات الخير، وتحرصوا على أن يصاحبوهم ويعملوا معهم، ويشاركوهم الدعوة إلى الله وتعليم كتاب الله، ويساهموا في حفظ أمن بلادهم وراحة أهلها، لا أن يكونوا معاول هدمٍ في كيان أمتهم وبناء مجتمعهم، أو مصدر إزعاجٍ لولاتهم وإخوانهم المسلمين.
اتقوا الله في هذه الأموال التي تنفقونها في شراء السيارات، وتوفير أجهزة الإفساد والقنوات، وكفِّروا عن هذه الخطايا بالإنفاق في كل سبيلٍ فيها صلاحٌ لأبنائكم، وحفظٌ لفِطَرهم، وادعموا مكاتب الدعوة، وجمعيات التحفيظ، والدور النسائية، والمؤسسات الخيرية؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ]التحريم: | |
|